فصل: مسألة حلف بحرية غلامه ليضربنه فجنى جناية قبل أن يضربه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة حلف بحرية غلامه ليضربنه فجنى جناية قبل أن يضربه:

وسئل أصبغ عن رجل حلف بحرية غلامه ليضربنه فجنى جناية قبل أن يضربه، قال: يخير في افتدائه أو إسلامه، فإن أسلمه رد وعتق عليه مثل البيع، ويرجع المجروح على السيد بقيمته إلا أن تكون القيمة أقل فليس له إلا الأقل من قيمة العبد أو الجناية.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هذا في هذه الرواية إنه إن أسلمه رد وعتق عليه مثل البيع خلاف مذهبه وروايته عن مالك في المدونة في أن من حلف بعتق غلامه ليضربنه فباعه يرد البيع ويبقى العبد في يده حتى يبر فيه بضربه أو يموت فيعتق في ثلثه مثل قول ابن دينار في كتاب العتق الأول وكتاب الإيلاء منها أنه إذا باعه يرد البيع ويعتق عليه ومثله لمالك في الواضحة من رواية ابن الماجشون عنه، والذي يأتي في هذه المسألة على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أنه إن أسلمه في الجناية يرد ويكون عليه للمجني عليه الأقل من قيمته أو الجناية ولا يعتق عليه، فإن لم يبر في ضربه حتى مات عتق في ثلثه ولو لم يعثر على ذلك حتى أعتقه المشتري أو الذي أسلم إليه في الجناية، يعتق في البيع على البائع ورد الثمن على المشتري، وفي الجناية على سيده الذي أسلمه وغرم للمجني عليه الأقل من قيمته أو الجناية على مذهب مالك وابن القاسم لم يختلف في ذلك قولهما وقد مضى من قولنا في رسم العتق من سماع عيسى من كتاب العتق ما فيه بيان هذا لمن تدبره ووقف عليه وبالله التوفيق.

.مسألة عبد لرجل جرح رجلين فأسلم إلى أحدهما ولم يعلم بالآخر:

قال أصبغ سألت عبد الرحمن بن القاسم عن عبد لرجل جرح رجلين فأسلم إلى أحدهما ولم يعلم بالآخر فجرح عند المسلم إليه رجلا فقام عليه هو والأول الذي لم يعلم بجرحه، فقال ابن القاسم يرجع المجروح الذي لم يكن علم به في العبد بقدر جرحه ثم يخير هو والمسلم إليه العبد الأول في أن يفتكاه من الثالث أو يسلماه إليه، فمن شاء منهما أفتك ومن شاء أسلم وليس للسيد الأول الذي كان أسلمه في ذلك شيء، قال ابن القاسم: وإن لم يكن جرح ثالثا حتى قام المجروح الثاني الذي لم يكن علم به فإنه يرجع في العبد بقدر جرحه ولا يكون للسيد فيه افتكاك ما يصيب هذا الثاني من ذلك؛ لأنه لو مات العبد قبل أن يقوم هذا بجرحه بطل جرحه إذا كان السيد لم يكن علم به، قال ابن القاسم ولو كان علم به ثم أسلمه كله إلى الذي قام به دون العبد ثم مات العبد في يدي المسلم إليه كان السيد ضامنا لجرح هذا المجروح؛ لأنه الذي أتلف حقه بإسلامه العبد، قال أصبغ وكذلك قال عبد الله بن نافع وبه أقول.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة إن المجروح الذي لم يكن علم به يرجع في العبد بقدر جرحه ثم يخيران جميعا في أن يفتكاه من الثالث أو يسلماه إليه معارض لما تقدم من قول أصبغ قبل هذا في المدبر يجني على رجلين موضحتين فيدفع السيد إلى أحدهما دية جرحه ولم يعلم بذلك صاحبه حتى مات سيده إن ما وجب للذي لم يعلم به مما دفع السيد إلى المجروح يرجع إلى ورثة سيده، ولا يكون للمجروح الذي لم يعلم به؛ لأنه إذا قال ابن القاسم في هذه المسألة إن المجروح الذي لم يكن علم به يرجع في العبد بقدر جرحه فأحرى أن يقول في مسألة المدبر إن المجروح الذي لم يكن علم به يرجع فيما دفع السيد إلى المجروح الذي علم به فيأخذ منه نصفه على ما قلناه من أنه هو القياس والذي يأتي في هذه المسألة على قياس ما قاله أصبغ في مسألة المدبر أن يرجع نصف العبد إلى السيد؛ لأن المدفوع إليه إنما كان يجب له نصفه، ثم يقال للمدفوع إليه العبد إن شئت فأسلم نصفه الذي بقي بيدك منه إلى الثالث في نصف جنايته، أو أفده بذلك، فإن أسلمه كان قد استوفى نصف جرحه وبقي له نصف جرحه وبقي للذي لم يعلم به وبقي جرحه كاملا، فيخير السيد في النصف الآخر بين أن يفتديه بجميع أرش الثاني وبين أن يسلمه إليهما فيكون بينهما على قدر ذلك، للثاني ثلثاه وللثالث ثلثه إن كانت جراحهما مستوية؛ لأن الثالث قد استوفى نصف دية جرحه، وهذا هو قول سحنون في كتاب ابنه وقول ابن المواز وقول ابن القاسم في هذه الرواية إنه إن لم يكن جرح ثالثا حتى قام المجروح الثاني الذي لم يكن علم به يريد بعد أن أسلمه إلى الأول فإنه يرجع في العبد بقدر جرحه ولا يكون للسيد فيه افتكاك ما يصيب هذا الثاني من ذلك صحيح على قياس قوله إن نصف العبد لا يرجع إليه وأنه يكون للثالث، ويأتي على قول سحنون وابن المواز أنه يكون مخيرا بين أن يسلم إليه نصفه أو يفتكه منه بجميع جنايته، وأما إذا أسلمه كله إلى أحدهما وقد علم بجرح الآخر فمات في يد المسلم إليه فقول ابن القاسم الذي تابعه عليه ابن نافع وقال به أصبغ من أنه يضمن جرح المجروح لأنه الذي أتلف حقه بإسلامه العبد يدل على أنه قد لزمته جنايته بإسلامه إليه وإن جاء الثاني والعبد قائم في يديه لم يفت لم يكن له فيه شيء، وفي المجموعة لابن الماجشون مثل قول ابن نافع ولو كان من حق الثاني إذا جاء بعد إسلامه إلى الأول وقد علم به أن يأخذ نصفه إن ألفاه قائما بيده لوجب ألا يكون على السيد شيء إذا مات موته دون أن يقتله الذي أسلمه إليه كما لو لم يسلمه ومات في يديه وإلا يكون عليه إذا قتله الذي أسلم إليه إلا قيمة نصفه يوم أسلمه إليه.

.مسألة العبد يجرح فلم يقم به حتى جرح فأخذ السيد عقل جرحه ثم قيم به:

وسألت ابن القاسم عن العبد يجرح فلم يقم به حتى جرح فأخذ السيد عقل جرحه ثم قيم به، فقال: السيد مخير، إن شاء فداه بعقل الجرح وإن شاء أسلمه وما أخذ من جرحه، قال أصبغ: قلت له فإن جرح آخر بعد ما جرح وأخذ السيد عقل جرحه وذلك قبل أن يقوم به الأول؟ قال: السيد مخير إن شاء أفتكه منهما بأرش جرحهما وإن شاء أسلم العبد إليهما وما أخذ من جرحه فيتحاص فيه الأول والآخر جميعا في رقبته وفي ثمن جرحه جميعا؛ لأنه حكم وقع الساعة، وقد كان يقول قبل ذلك إن الأرش للمجروح الأول خاصة، ويقتسمان العبد على قدر جرحهما، قال أصبغ وأنا أرى أن يكون الأرش للأول وينظر كم هو من العبد إذا اجتمعا، فإن كان سدسا فقد استوفى سدس جرحه، ويضرب بخمسة أسداسه في العبد معيبا، والثاني بجرحه كله.
قال محمد بن رشد: أما إذا جرح العبد ثم جرح فأخذ السيد عقل جرحه ثم قام عليه المجروح فلا اختلاف أحفظه في أن السيد مخير بين أن يفتكه بجنايته وبين أن يسلمه وما أخذ من جنايته، وهذا بين إذا كانت الجناية عليه إنما فيها ما نقص من قيمته مثل أن يقطع يده أو يفقأ عينه أو ما أشبه ذلك مما إنما فيه ما نقص من قيمته، وأما إذا كانت الجناية عليه موضحة أو منقلة أو مأمومة فالقياس أن يكون مخيرا بين أن يسلمه والأقل من ما نقصته الجناية من قيمته أو مما أخذ فيها وبين أن يفتكه وما أخذ في جنايته بما جنى.
وأما إذا جنى العبد ثانية بعد أن يجنى عليه وأخذ السيد أرش ما جنى به عليه ففي ذلك ثلاثة أقوال، أحدها قول ابن القاسم الثاني الذي رجع إليه أن السيد مخير بين أن يفتكه بأرش الجرحين جميعا وبين أن يسلمه وما أخذ من أرش جرحه، ووجه هذا القول أن أرش الجناية عليه تجبر عيب نقصانه، فكأنه قائم على حاله يخير بين أن يفتكه، وما أخذ من أرش الجناية عليه بالجنايتين، أو يسلمه وما أخذ من أرش الجناية بالجنايتين، والثاني قول ابن القاسم الذي كان يقول به ثم رجع عنه أن الأرش يكون للمجروح الأول خاصة، ويقتسمان العبد على قدر جرحهما معناه إلا أن يفتكه السيد وأرش جرحه بالجنايتين جميعا، ووجه هذا القول أن ما بقي من العبد بعد الجناية عليه مرتهن بالجنايتين جميعا، فيكون بينهما إن أسلمه السيد إليهما وأرش الجرح للأول قد استحقه بتقدم جنايته عليه والثالث قول أصبغ إنه إن أسلمه السيد إليهما تحاصا فيه، الثاني بجميع جنايته، والأول بقدر ما بقي من جنايته، إذ قد أخذ أرش ما نقصت الجناية منه، وهذا قول ابن الماجشون، وإياه اختار ابن المواز، وهو أظهر الأقوال والله أعلم.

.مسألة الفئتين يقع بينهما الجراحات:

قال أصبغ وسئل ابن القاسم عن الفئتين تأتيان القاضي كلتاهما مدعية على صاحبتها جراحات بها ومنكرة لما بصاحبتها من الجراحات وهما مقرتان جميعا بأصل النايرة بينهما، قال ابن القاسم: أرى كل واحدة منهما ضامنة لجراح صاحبتها، قلت لابن القاسم: فإن كانت كل واحدة منهما مدعية على صاحبتها الجراحات التي بها ولا يقران بأصل النايرة بينهما؟ قال: فإن قامت بينة على نايرة بينهما ولم يشهدوا جراحات بعضها بعضا فأرى أن يحلف كل واحد منهما على صاحبه إذا عرف أنه به، وأنه الذي جرحه ثم يستقيد منه، قال ابن القاسم: فإن لم يعلم كل واحد منهما صاحبه تحالفوا على الجراحات أنها كانت من الفئة المدعى عليهم وهم جرحوهم فإذا حلف كل الفريقين ضمن بعضهم جراحات بعض، فإن لم تقم بينة بأصل نايرة ولا يقران بها بينهم إلا أن بعضهم يدعي على بعض أنه جرحه من غير قتال كان بينهما أو أصل نايرة ويتبرأ كل واحد منهما من جارحات صاحبه فلا أرى أن يعدى بعضهم على بعض حتى تقوم بينة على أصل النايرة أو يتقاران بذلك، قلت فإن قال أحدهم جرحني صاحبي هذا ثلاث جراحات، وقال صاحبه إنه إنما جرحته جرحتين ولم أجرحه الثالثة قال أرى أن يحلف على الجرح الثالث بالله لجرحه إياه ثم يستقيد منها ثلاثتها، وذلك أنه أقر بجراحه وأنه قاتله.
قال محمد بن رشد: قوله في الفئتين يقع بينهما الجراحات إنهما إذا أقرتا بأصل النايرة بينهما أو قامت على ذلك بينة فإن لمن ادعى منهم أن يحلف على من جرحه ويستقيد منه هو مثل ما تقدم في آخر رسم العقول والجبائر من سماع أشهب وفي رسم البراءة مستوفى في رسم العقول والجبائر من سماع أشهب فلا معنى لإعادته.
وأما قوله فإن لم يعلم كل واحد منهما صاحبه تحالفوا على الجراحات أنها كانت من الفئة المدعى عليهم وهم جرحوهم فالمعنى فيه أن يحلف كل واحد من المجروحين أن جرحه إنما كان من الفئة المنازعة لهم، وأنه لا يعرف من جرحه منهم بعينه، فإذا حلف كل واحد منهم على ذلك من الطائفتين ضمنت كل طائفة منهما جراحات الطائفة الأخرى على عددهم إن أقروا، وإن أنكروا فحلفوا كلهم أو نكلوا عن اليمين وإن حلف بعضهم ونكل بعضهم عن اليمين برئ من حلف وكانت ديات الجارحات على من نكل منهم إلا أن يكون الذي نكل منهم الواحد والاثنان ومن لا عدد له ممن بدا أنه لا يشبه أن يختصوا هم بجراحاتهم دون من سواهم ممن حلف، فتكون ديات الجراحات عليهم كلهم كما لو حلف جميعهم، هذا الذي يأتي في هذه المسألة على أصولهم وقد مضى في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الديات وفي غيره من الأسمعة منه الحكم فيمن قتل بين الصفين، ومضى الكلام على الكلام على ذلك مستوفى في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم منه فلا معنى لإعادته.

.مسألة عبد بين رجلين يجرحه عبد لأحدهما:

قال عيسى عن ابن القاسم في عبد بين رجلين يجرحه عبد لأحدهما: إن سيد الجارح بالخيار إن شاء افتداه بنصف العقل وإن شاء أسلم العبد كله إلى شريكه، قال أصبغ عن ابن القاسم مثله.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن العبد الجاني لما جنى على عبد هو بين سيده وبين رجل آخر كانت نصف جنايته هدرا؛ لأنه لو جنى على عبد هو كله لسيده لكانت جنايته كلها هدرا، فوجب لما جنى على عبد هو بين سيده وبين رجل آخر أن يكون كله مرتهنا بنصف جنايته التي جناها على حظ شريك سيده من العبد المجني عليه، فإن كانت جنايته عليه نقصت في التمثيل من قيمته أربعين كان سيد العبد الجاني بالخيار بين أن يسلمه كله إلى شريكه في العبد المجني عليه وبين أن يفتكه منها بعشرين التي نقصت جنايته عليه من حظه منه، ولو كان العبد الذي بينهما هو الذي جنى على عبد لأحدهما لكان شريكه في العبد الجاني مخيرا بين أن يسلم حظه منه إليه في نصف ما جنى على عبده وبين أن يفديه بذلك، قاله ابن القاسم في كتاب ابن المواز، وهو بين صحيح لا إشكال فيه وبالله التوفيق.

.مسألة عبدا بين رجلين جرح عبدا بين أحدهما وبين أجنبي:

قال ابن القاسم: وكذلك لو أن عبدا بين رجلين جرح عبدا بين أحدهما وبين أجنبي أنه يقال للذي له فيه النصف أفتك نصيبك منهما جميعا بنصف الجرح، وإن شئت فأسلم نصيبك إليهما يقتسمانه، وإن شئت فأفتك من أحدهما نصيبه وأسلم إلى الآخر ما يصيبه من نصيبك، وأما صاحب النصف الآخر الذي جرح هذا العبد عبدا بينه وبين آخر فيقال جرحه نصيبك من العبد باطل كجرحه إياك لو جرحك، وما لك جرحه بعضه بعضا فإن شئت فافتك نصيبك من شريكك في العبد المجروح بنصف دية الجرح أو أسلمه إليه كله ليس لك فيه شيء.
قال محمد بن رشد: هذا بين أيضا على ما قاله، ويزداد بيانا بالتنزيل، مثال ذلك أن يكون عبد اسمه ميمون لزيد وعمر وبينهما بنصفين وقيمته عشرون، ويكون لعمرو منهما عبد بينه وبين خالد رجل آخر اسمه موفق وقيمته أربعون، فيجني ميمون على موفق جناية تنقص من قيمته ثلاثين، فإنه يقال لزيد منهما أفتك نصيبك من ميمون بنصف جنايته التي جنى على موفق وهي خمسة عشر من سيديه جميعا عمرو وخالد، فادفع إلى كل واحد منهما سبعة ونصفا أو أسلم نصيبك إليهما فيكون بينهما بنصفين، وإن شئت أن تفتك نصف نصيبك ممن شئت منهما بسبعة ونصف وتسلم إلى الآخر نصف نصيبك فذلك لك، ثم يقال لعمرو: والنصف الثاني من جناية ميمون على موفق هدر لأن موفقا بينك وبين خالد، فالنصف الذي لك في ميمون مرتهن كله بنصف جنايته على موفق وذلك سبعة ونصف، فإن شئت فأسلم النصف الذي لك في ميمون إلى خالد في سبعة ونصف، وإن شئت فأفتكه بسبعة ونصف، وقد اختلف بمن يبدأ به أولا منهما، فقال أشهب إنه يبدأ بالذي ليس له في المجروح حق، وهو قول ابن القاسم. في هذه الرواية على ما نزلناه من البداية يريد الذي ليس له في موفق شيء، ولابن القاسم في كتاب ابن المواز أنه يبدأ بالذي له نصف العبد المجروح وهو عمرو على ما نزلناه فيخير أولا بين أن يسلم حظه من ميمون إلى خالد بنصف ما جني على موفق، وذلك سبعة ونصف أو يفتكه بذلك، وذلك يرجع إلى معنى واحد فلا وجه للاختلاف في ذلك.

.مسألة الصبي الذي لم يثغر ينزع سنه خطأ:

قال عيسى: قال لي مالك في الصبي الذي لم يثغر ينزع سنه خطأ، قال: أرى أن يؤخذ العقل كاملا فيوضع على يدي ثقة، فإن عادت لهيئتها رد العقل إلى الجارح، وإن هي لم تعد أعطى عقلها كاملا، فإن هلك قبل أن تنبت فالعقل كامل لورثته، وإن نبتت أصغر من قدرها بالتي قلعت منه كان له من العقل قدر ما نقصت فإن نزعت عمدا فإنه يوضع العقل أيضا ولا يعجل القود حتى يستبرى أمرها، فإن عادت لهيئتها فلا عقل ولا قود، وإن لم تعد اقتص منه، وإن عادت أصغر من قدرها أعطى عقل ما نقص، قال ابن القاسم وأرى في قياس قول مالك أنه إذا مات الصبي ولم تعد اقتص منه وليس فيه عقل؛ لأنه إنما استؤني به النبات لرفع القود، فإذا مات فهو بمنزلة ما لو لم ينبت.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم إذا مات الصبي قبل أن ينبت سنه إنه يقتص منه وليس فيه عقل معناه أن الواجب في ذلك إنما هو القصاص لا العقل إلا أن يتفقا فيه على شيء، والمسألة كلها صحيحة، وقد وقعت آخر كتاب الجراحات من المدونة في بعض الروايات، وكذلك اللسان إذا قطع فنبت لا دية فيه في الخطأ ولا قود في العمد، وذلك بخلاف سن الكبير تقلع فيردها فتنبت أو الأذن تقطع فيردها صاحبها فتلتئم وتعود إلى هيئتها لا اختلاف في وجوب القصاص في ذلك فيه في العمد ويختلف وجوب الدية فيهما في الخطأ على ثلاثة أقوال قد مضت في رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى وبالله التوفيق.

.مسألة شهد شاهد أنها موضحة وشهد آخر أنها منقلة:

قيل لأصبغ ما تقول في رجل شج رجلا موضحة فلما برأت الشجة طلب صاحبها عقلها فشهد شاهد أنها موضحة وشهد آخر أنها منقلة فأي الشاهدين يثبت؟ قال: إن كانت الشجة لم تفت ببرء ولا زيادة ولا نقصان نظر إليها غيرهما من أهل المعرفة والعدالة، فإن فاتت عن ذلك كان للمجروح إن شاء حلف مع شاهد المنقلة وكانت له دية المنقلة، وإن شاء فدية الموضحة بغير يمين؛ لأن الموضحة قد اجتمعت عليها الشهادتان، ولأن المنقلة لا تكون منقلة حتى تكون موضحة.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن ذلك بمنزلة رجل يدعي على رجل مائة فيشهد له شاهد بمائة وشاهد بخمسين أنه إن شاء أن يحلف مع الذي شهد له بالمائة وإن شاء أن يأخذ الخمسين بغير يمين، بل هي أبين منها، فلا يدخل فيها من الخلاف ما يدخل في الشاهد بالمائة والشاهد بالخمسين وبالله التوفيق.

.مسألة جرحا عبدا عمدا موضحتين قد شهد بذلك شاهدان فمات ولم يدر من أيهما مات:

قيل لأصبغ فلو أن رجلين جرحا عبدا عمدا موضحتين قد شهد بذلك شاهدان فمات ولم يدر من أيهما مات؟ قال: إن عرف الضارب الأول فالسيد بالخيار إن شاء حلف عليه يمينا واحدة مع شاهديه أن من ضربته مات فأخذ منه قيمة عبده، ويرجع الضارب الأول على الضارب الثاني فيأخذ منه نصف عشر قيمته وهو قيمة الموضحة، وإن شاء رب العبد حلف على الثاني وأخذ منه قيمة عبده مغصوبا ويرجع سيد العبد على الضارب الأول فيأخذ منه ما نقص العبد الجرح؛ لأنه إنما أخذ من الثاني قيمته مغصوب، والأول قد جرحه موضحة فأخذ منه قيمتها، وإن كان جرحاه في فور واحد ولم يدر الأول من الثاني فعلى كل واحد منهما نصف قيمته بعد أن يحلف كل واحد منهما ما علم أنه الأول.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ إنه يحلف على من شاء منهما أنه مات من جرحه يبين قول سحنون الذي تقدم في سماعه حسبما ذكرناه هناك، وقوله إنهما إن كانا جرحاه في فور واحد لم يدر الأول من الثاني فعلى كل واحد منهما نصف قيمته بعد أن يحلف كل واحد منهما ما علم أنه الأول معناه وبعد يمينه هو أنه لم يمت إلا من جرحيها، فإن لم يحلف لم يكن له إلا ديات المواضح، وقد مضى ذلك من قوله في صدر هذا السماع مضى من قولنا هناك ما فيه بيان له، وقوله بعد أن يحلف كل واحد منهما ما علم أنه الأول، يريد أو بعد أن ينكلا جميعا عن اليمين؛ لأن نكولهما جميعا كحلفهما جميعا فإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين، نظر، فإن كان يجب على الناكل عن اليمين بالمعرفة أنه هو الأول أو أنه هو الثاني أكثر من نصف القيمة كان ذلك عليه.

.مسألة عبدا جرح عبدا فأقام سيد العبد المجروح شاهدا واحدا:

قال أصبغ لو أن عبدا جرح عبدا فأقام سيد العبد المجروح شاهدا واحدا: إن سيده بالخيار إن شاء حلف مع شاهده وأخذ قيمة جرح عبده، وإن أراد القصاص حلف العبد مع الشاهد واقتص.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على القول بوجوب القصاص في الجراح باليمين مع الشاهد؛ لأن القصاص إنما هو حق للعبد فلذلك كانت اليمين في ذلك عليه، لا على السيد، وبالله التوفيق.

.مسألة الذي تقطع أنملته كيف تكون ديتها على أهل الإبل:

قال أصبغ سئل ابن القاسم عن الذي تقطع أنملته كيف تكون ديتها على أهل الإبل؟ فقال: أحب إلي أن يأتي بالعشرة من الإبل دية الأصبع كلها على أسنانها، يجبر على ذلك فيكون المقطوع شريكا له فيها بقدر ديته دية الأنملة، ثم يقتسمان بعد أو يبيعان يجبر على ذلك كما لو لم يكن عنده إبل، وكانت عنده دنانير، وهو من أهل الإبل كان عليه أن يأتي بالإبل في الدية شاء أو أبى.
قال محمد بن رشد: قوله أحب إلي أن يأتي بالعشرة من الإبل إلى آخر قوله يدل على أن هذا هو اختياره مما قيل في ذلك، إذ قد قيل في ذلك بالقيمة لضرر الشركة، وهو الذي يأتي على قولهم في الخلطاء يجب عليهم سن واحدة في الزكاة، وعلى ما قاله مالك في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح يتزوج بأرؤس ولا يبين حمران ولا سودان أن عليه نصف القيمتين يريد إذا كان رقيق البلد الذي يتناكحون عليها حمرانا وسودانا وكان قد تزوج بعبد واحد أو بثلاثة أعبد فتكون عليه القيمة في العبد الثالث حسبما مضى القول فيه هناك.

.مسألة قطع يدا واحدة من عبد لرجل والعبد فاره صناع:

قال أصبغ قال ابن القاسم فيمن قطع يدا واحدة من عبد لرجل والعبد فاره صناع إنه يضمن قيمته ويعتق عليه.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أنه إذا قطع يديه جميعا أو يده الواحدة وهو صناع أنه يضمن قيمته، واختلف في عتقه عليه، فقال في هذه الرواية إنه يعتق عليه وهو مذهبه في المدونة؛ لأنه قال فيها إنما يعتق عليه إذا كان فسادا لا منفعة معه فيه، وقال أصبغ عتقه استحسان، وقال ابن الماجشون لا يعتق عليه، وأما إذا قطع يده الواحدة وهو غير صناع فلا يعتق عليه، واختلف فيما يلزمه لسيده على ثلاثة أقوال قد تقدمت في رسم المكاتب من سماع يحيى وفي غير ما موضع من هذا الديوان فلا معنى لإعادته ذلك.

.مسألة عبد لرجل جرح رجلا جرحا خطأ فباعه سيده:

وسئل أصبغ عن عبد لرجل جرح رجلا جرحا خطأ فباعه سيده قبل قيام المجروح، ثم جرح عند المشتري رجلا آخر جرحا خطأ أيضا ثم قام المجروحان الأول والثاني، قال يبدأ بالبائع فيقال له افتد من المجروح الأول الذي جنى عليه العبد وهو في ملكك وينفذ البيع بينك وبين المشتري، فإن نفد البيع لم يكن للمبتاع عليه مقال ولا كلام ولا قيمة عيب؛ لأن الجرح خطأ فليس فيه شيء ولا له عيب والاشتراء له لازم ثم يقال للمشتري حينئذ إن شئت فافتك من المجني عليه الآخر عبدك، وإن شئت أسلمه إليه، أنت مخير في ذلك بمنزلة عبد لك جنى جناية وليس فيه قبل ذلك جناية ولا غيرها سواء، فإن أبى البائع الأول أن يفتك بدية الجناية قيل له فأسلم الثمن كله، فإذا أسلمه فهو كإسلام العبد نفسه، ثم قيل للمجني عليه الأول إن شئت فخذ الثمن بدية جرحك وسلم البيع للمبتاع، فإن فعل فهو سبيل ما وصفت لك في افتكاك البائع بدية الجرح سواء، وإن أبى المجروح وقال لا أقبل الثمن قيل للمشتري إن شئت فافد من المجني عليه آخرا والعبد عبدك؛ لأن ما جني العبد وهو عندك فهو في ضمانك، وخذ الثمن كله وافيا وأسلم العبد إلى المجني عليه أولا عند البائع، وإن شئت فافتد منهما جميعا بدية جرحيهما، ويكون لك الثمن كله، والعبد أيضا أي ذلك شئت أن تفعل من هذا فهو لك وإن أبى المشتري أن يفتدي منهما ويسلم له العبد والثمن أو من الآخر الذي جنى عليه وهو عنده ويسلم له الثمن وافيا ويسلم العبد إلى المجروح الأول عن البائع نظر إلى قيمة العبد صحيحا وقيمته وقد جنى الجناية التي جنى عند المشتري، فينظركم بين ذلك؟ فما فضل من قيمة العبد عن دية الجرح كان للمشتري من الثمن بقدره، وذلك أن الجرح الذي جرح العبد آخرا هو له ضامن فهو عليه، والباقي إنما خرج من يديه من العبد باستحقاق الجرح الأول، فهو يرجع به في الثمن، وليس له عليه تمام ما بقي من الثمن عما فضل من قيمة العبد صحيحا وقيمته وقد جرح عند المشتري وهو والعبد نفسه بين المجني عليهما جميعا يقتسمانه بينهما جميعا على قيمة العبد صحيحا وقيمته وفيه جناية على قدر جنايتهما، فيضرب فيه المجني عليه أولا عند البائع بقيمته صحيحا لأنه جرحه وليس لأحد فيه قبله جرح، ويضرب بالثاني بقيمته وقد جرح جرحا قبله على جراحهما ومبلغ ذلك، فعلى هذا يكون إن شاء الله.
قال محمد بن رشد: وقع في سياقة هذه المسألة تطويل وتكرير وتقديم وتأخير، وتلخيصها أن البائع يخير فإن أفتكه بالجناية التي جنى عنده أو أسلم الثمن فرضي به المجني عليه في جنايته لزم المبتاع الشراء ولم يكن له فيه كلام، وكان بالخيار فيما جنى عنده بين أن يفتكه أو يسلمه، فإن أبى البائع أن يفتديه وأسلم الثمن فلم يرض به المجني عليه رجع الخيار إلى المشتري فكان بالخيار بين أن يفتكه بالجنايتين جميعا ويكون له العبد والثمن وبين أن يفتكه بأحد الجنايتين ويسلم العبد في الجناية الأخرى فيسلم له الثمن وإن كان لم يتكلم في الرواية إلا على الوجه الواحد وهو أن يفتكه من الذي جنى عليه وهو عنده ويدفع العبد في الجناية الأولى، فإن أبى المشتري من ذلك كله كان ما ذكر له في الرواية من قوله إنه ينظر إلى قيمة العبد صحيحا وقيمته وقد جنى إلى آخر قوله، وهو كلام فيه التباين، ومعنى ما ذهب إليه فيه أن المبتاع يرجع على البائع من الثمن بالزائد على ما نقصت العبد الجناية عنده؛ لأن ما نقصته الجناية عنده ضمانه منه، فلا رجوع له به على البائع فيسلم إلى المجني عليهما العبد لأنه مرتهن بالجناية التي جناها عنده وما رجع به على البائع لأن ذلك مرتهن أيضا بالجناية التي جناها عند البائع، فيكون ذلك كله بينهما على ما ذكر، ووجه العمل في ذلك أن يقال كم قيمة العبد سالما من الجنايتين فيقال مائة، ثم يقال كم قيمته بالجناية التي جناها عند البائع؟ فيقال ثمانون، فالذي بين القيمتين على هذا من القيمة الأعلى هو الخمس الذي ضمانه من المبتاع، لا رجوع له بما نابه من الثمن، ويرجع عليه بأربعة أخماس الثمن، فيكون ذلك مع العبد بين المجني عليهما، ولو لم تكن له قيمة بالجناية أصلا لما وجب أن يرجع على البائع بشيء ولو كان العبد وحده بين المجني عليهما جميعا، فهذا بيان هذه المسألة وبالله التوفيق.
تم كتاب الجنايات الثاني بحمد الله.

.كتاب القطع في السرقة:

.مسألة ليس على من سرق من حلي الكعبة قطع:

من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب القبلة قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن مالك أنه قال: ليس على من سرق من حلي الكعبة قطع لأنهم يؤذن لهم في دخولها وكل بيت دخل فيه بإذن فسرق منه شيء فلا قطع عليه فيه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن البيت محجور عن الناس لا يدخل إلا بإذن، فمن سرق ممن أذن له في دخوله لم يكن عليه قطع؛ لأنه خائن وليس بسارق، وسواء كان الذي سرق من الحلي متشبتا بما هو فيه مما حلي به أو موضوعا في البيت غير متشبت بشيء، ولو دخل البيت أحد ممن لم يؤذن له في دخوله مستسرا ليلا أو نهارا فسرق منه شيئا لوجب عليه القطع إذا خرج به من البيت إلى موضع الطواف وإن لم يخرج به عن المسجد؛ لأن حكم البيت الحرام الذي لا يدخل إلا بإذن فيما سرق منه حكم البيت يكون في المسجد مختزن فيه ما يحتاج إليه في المسجد من زيته وفناديله وحصره لا قطع على من دخله بإذن فسرق منه، والقطع واجب على من دخله مستسرا من غير أن يؤذن له فسرق منه ما يجب فيه القطع إذا خرج به من البيت إلى المسجد وإن أخذ فيه قبل أن يخرج منه؛ لأنه إذا أخرجه من البيت إلى المسجد فقد أخرجه إلى غير حرزه، وأما من سرق من المسجد الحرام ليلا أو نهارا أو من سائر المساجد التي تغلق ليلا أو نهارا شيئا مما هو متشبت به كجائزة من جوائزه أو باب من أبوابه أو ثرية من ثرياته المعلقة فيه المتشبتة به أو حصير قد سمر في حائط من حيطانه أو خيط إلى ما سواه من الحصر على ما روي عن سحنون فلا اختلاف في وجوب القطع على من سرق شيئا من ذلك تبلغ قيمته ما يجب فيه القطع، واختلف أن من سرق شيئا من ذلك من موضعه وغير متشبت به كقناديل موضوعة في ثرياته أو حصر موضوعة في مواضعها، فقيل إن مواضعها حرز لها يقطع من سرق شيئا من ذلك إن أزاله عن موضعه وإن أخذ قبل أن يخرج به من المسجد، وقيل إنه لا قطع عليه في شيء من ذلك كله، وإن خرج به من المسجد اختلف في ذلك قول ابن القاسم على ما يأتي في رسم نقدها من سماع عيسى، واختلف في الفطرة توضع في المسجد فقيل إن حكمها حكم حصر المسجد يدخل في ذلك من الاختلاف ما يدخل في حصر المسجد إذا سرقت نهارا، وإلى هذا ذهب أصبغ وهو ظاهر قول ابن القاسم وروايته عن مالك في رسم نقدها من سماع عيسى بعد هذا؛ لأنه قال إن سارقها يقطع وإن لم يخرج بها من المسجد، ولم يشترط أن يكون عليها حارس، فظاهر ذلك أنه حكم لها بحكم حصر المسجد، وقيل إنه لا قطع على من سرقها نهارا إلا أن يكون عليها حارس، وهو قول مالك في الواضحة، وإياه اختار ابن حبيب؛ لأن المسجد ليس بموضع للفطرة يختص بها كالحصير، ولو أتى رجل بطنفسة إلى المسجد ليصلي عليها لما يقيه من حر أو برد ثم ينقلب بها ولم يضعها في المسجد كسائر حصره فذهب وتركها ناسيا لها أو غير ذلك فلا قطع على من سرقها ليلا أو نهارا وإن كان على المسجد غلق؛ لأن الغلق لم يكن من أجلها ولم يكلها صاحبها إليه، قال ذلك ابن حبيب في الواضحة، وكذلك الفطرة توضع فيه على مذهبه، فيتحصل على هذا في سارق الفطرة من المسجد وفي سارق الحصير منه الذي يضعه الرجل فيه ليصلي عليه ثلاثة أقوال، وأما من فتح المسجد الذي يغلق ليلا بالليل فيسرق منه أو الذي يغلق نهارا في الحين الذي يغلق فيه فسرق منه شيئا من حصره أو قناديله الموضوعة فيه أو المتشبتة فيه فلا اختلاف في وجوب القطع على من سرق من ذلك ما يجب فيه القطع، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة وبالله التوفيق.